في لقاء جريء وصريح...
الشاعر اللبناني وهيب عجمي للوكالة: مثلي لا يتكرّر إلا كلّ ألف وخمسمئة عام مرّة...والشعر أقوى من أن ينتهيَ أو يزولَ كأهرام مِصر، وأعمدة بعلبكّ... وبيروت لم تعد العاصمة الحقيقية للكتاب...
السبت, 2009.12.19 (GMT)
وهيب عجمي |
المتنبّي كان شاعر بلاط
وزارة الثقافة اللبنانية غائبة تماماً عن مسرح الأحداث بشكل عمليّ وأعتزّ بوزارة ثقافتي السورية
الوطنيّة ليست وساماً يعطى
أغلب نشاطات وتواقيع معرض الكتاب نوع من البرستيج
الجمهور العربيّ يشعرك بدفء محبّته وبحرارة عاطفته
وكالة أنباء الشعر/ بيروت/ حسن رعد
تكاد في البدايات أن تنفر من حديثه ومفاخرته بنفسه، لكّنك ما تلبثُ أن تجدَ نفسكَ مشدوداً إليه، لتستمع إلى آرائه وتطلعاته. يُفاجئكُ حيناً بعتبه الذي يصل إلى حدِّ الهجوم الحادّ على القيمين على الثقافة في بلد الثقافة لبنان، ويَفجؤكَ حيناً آخر بكبريائه واعتداده بنفسه إلى حدٍّ يكاد يلامس حدّ الغرور. وما بين هذا وذاك تتلمّس فيه الإنسان المحبّ لأرضه، المُخلِص للتراب والوطن، المدركَ لأقواله ومواقفه. كيف لا وهو الذي خَبِر العمر بشقيه: الحياتيّ والشعريّ؟. نتاجه وافرٌ وقصائده مُتميّزة، ومنبريّته مشهود لها. تألق منذ الصِّبا شاعراً واعداً فحمل شعلةَ القصيدة من إرثٍ ثقيلٍ جميل تركه الأهل، فانطلق طائراً يشدو على أفنان القلوب، وحَنجرةً تصدحُ بعندلة البلابل. إنّّه الشاعر اللبناني وهيب عجمي الذي التقيناه وكان معه هذا الحوار ...
- وهيب عجمي شاعرٌ أصيلٌ نشأ وترعرع في بيتِ شاعر حيث اسم آل العجمي مرتبطٌ بالشِّعر والعكس يصحُّ. ما دور الإرث العائلي في إلقاء المزيد من المسؤولية عليكم؟
لقد حرّك سؤالُك فيَّ ذكريات الطفولة، وأنعشَ القلبَ الذي طالما عبَقَ بحبِّ الشِّعر منذ بدايات تفتُّح وروده، وتبرعم أزهاره، فالعائلةُ كما تعلم غرَفت من مناهل الشّعر وأسقتنيه عذباً فراتاً. فالوالدان شاعران إنّما على طريقتهما حيث أنّ بداية معرفتهما ببعضهما حسب ما رَوَيا لنا كانت في حقول الزراعة حيث كانا يتناوشان ويتحاوران شعراً، وكان أنْ جمعهما الشعر ضمن أسرةً واحدة. فنشأت تالياً أنا وإخوتي في ظلّ هذه الأجواء الشعريّة والأدبيّة، وكان من الطبيعيّ أن يتمخّض عن هذين الوالدين شعراء كبار وكنت منهم واستمرّت علاقتي بالشعر وتطوّرت حتى أصبحت ذلك الشاعر الذي تنصاع له القوافي طيعةً من دون تكلّفٍ ولا تصنّع. وإذا كان هذا الإرث مسؤوليةً فأنا أفخر بها وأعتزّ، وأعلن عبر وكالة أنباء الشعر العربي التي أستغلَ المناسبة لشكرها على لفتتها المميّزة بلقائي هذا، أنّني لم ولن أقصّر في حملة رسالة الشعر وسأمضي متأبطاً كتاب القوافي حتّى آخر درب المستحيل.
- تقول أنّك لم تقصّر وأنّ القوافي تنصاع لك طيّعةً من دون تكلّف، وكأننا نلمس هنا روح المتنبّي في الاعتداد بالنفس والتفاخر حينما قال "أنام ملء جفوني عن شواردها .. ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ". فهل نحنُ بصدد "متنبي" ثانٍ؟
المتبّي شاعرٌ كبير لا شكّ في ذلك، لكنّه كان شاعر بلاط أيضاً سعى للشهرة والمجد والإمارة كما روي عنه في كثير من المرويّات بالرغم من تربعه أعلى مراتب الشعر طيلة قرون خلت. أمّا بالنسبة لانصياع القوافي الذي قلته فإنّه مصارحة مع النفس بشاعريّتها الفذّة، وأقولها بكل تواضع وشفافيّة، فوهيب عجمي بحسب رأي العديد من الاعلاميين والشعراء يعتبر من أكبر شعراء العصر، وحقيقةً وأنا أستحقُّ أكثر ممّا أعطيتُ، والتفاخر بما هو فيك ليس تكبّراً ولا ادعاءً بل هو حقيقةٌ وإنْ لم يعجب هذا الأمرُ الكثيرين.
- ولكنْ ألا يوجد شعراء آخرين كبار على المستويين اللبناني والعربيّ برأيك؟ كما وكأنّك تلمّح إلى شيء ما لم تبح به يطال من نالوا شهرةً واسعة على المستويين المحلي والعربي وحتّى العالمي، فأين برأيك هؤلاء الشعراء الكبار؟
أنت تستدرجني لأن أعلن موقفاً جريئاً وواضحاً تعرفه عنّي بالطبع، ولكنّني لن أدخل بالتسميات وسأكتفي بالاستشهاد بما قاله أيضاً الكثيرون عنّي أنّه لو جمعت الشاعر (أ) والشاعر (ب) والشاعر (ج) والشاعر (د) وغيرهم ممّن يعتبرهم البعض أنّهم الأفضل على الساحة الشعريّة في وقت واحدٍ وزمن واحدٍ لا يعادلون شاعريّة وهيب عجمي. وأنّ شاعراً كوهيب عجمي لا يتكرّر إلا كلّ ألف وخمسمئة سنة مرّة.
- تقول لنا أنّ هذا ما يقوله الآخرون، لكنّنا نريد أن نسألكَ عن رأيك أنت فيما سلف؟
نعم صراحةً أنا أعتزّ بهذا القول والموقف ولا أنكره، وسأعلنه موقفاً جريئاً أنه لي الفخر كلّ الفخر أن أكون أفضل شاعر أنجبته الساحة الشعريّة العربيّة وأنّ يكون مثلي لا يتكرّر إلا كلّ ألف وخمسمئة عام مرّة. ومن ناحيتي يكفيني فخراً أنّني نلت في العام 2005 جائزة الإبداع في مجال الشعر والفكر والثقافة في سوريا والوطن العربي حيث كان المعيار الصورة الشعريّة والحضور المنبري وأسلوب الكتابة والأداء المتقن والقدرة الإنشادية الطربيّة إضافة إلى الحضور المسرحي عبر مسرحة القصيدة.
- طالما أنت تتحدّثُ بهذا النفسِ لماذا لا نرى اهتماماً كافياً بك كشاعر من شعراء الصفّ الأوّل على مستوى لبنان، وما هو مأخذك على المؤسسات الثقافية بالتالي إذاً؟
بدون مقدّمات سأبدأ من وزارة الثقافة اللبنانيّة التي أعتبرها غائبة تماماً عن مسرح الأحداث بشكل عملي، وأقول بهذه المناسبة أنا وهيب عجمي الشاعر اللبناني أعتزُّ بوزارة ثقافتي السوريّة، نعم وزارة ثقافتي السّوريّة هذه الوزارة التي عرفت قيمتي الشعريّة فدعتني وأكرمتني وقدّمت لي الكثير الكثير في حين أنّ وزارة الثقافة اللبنانية لم تقدّم شيئاً، وحقيقةً لقد شعرتُ بالفارق الكبير جدّاً على مستوى الاهتمام مع أنّي لم أقدّم لهم شيئاً كرّموني واحتفوا بي، وفي لبنان قدّمت الكثير لبلدي من خلال شعري وقصائدي لكنهم أصرّوا على تجاهلي وكأنّهم يعاقبونني على وطنيّتي والتصاقي بتراب الجنوب ومواقفي الرافضة للاحتلال والداعمة للمُقاومَة.
مع الزميل حسن رعد |
- إنّ موقفكم هذا مفاجئ ويشكّل صدمة للكثيرين، وقد يعتبرونه إنكاراً للوطنية والانتماء، وهذا ما يمكن تأويله واستشفافه أصلاً من كلامكم. فهل لنا أن توضحوا الأمر؟
الوطنيّة ليست وساماً يعطى كالأوسمة التي توزّع هنا وهناك على غير مستحقّيها، الوطنيّة تكتسبُ اكتساباً بالأفعال لا الأقوال، أوليس هناك من يشككون في مشروعيّة المقاومة الّتي لقّنت العدوّ درساً أليماً؟! أوليسَ هناك من يتهمون الشرفاء من أبناء الوطن باللاوطنيّة؟! ألم تسمع بالذين اعتبروا المقاومَين أدهم خنجر وصادق الحمزة قطّاع طرق لأنّهم كانوا يدافعون عن أرضهم، ولأنّهم وقفوا في وجه الاحتلال الفرنسي خلال الانتداب لبلادنا؟!.
يا صديقي، لا نحن نسمح لأحدٍ أنْ يشكك في وطنيّتنا وانتمائنا، كما أنّنا أنفسنا لا نشكّك بوطنية أحد، لكنّنا نحن الذين زرعنا قلوبَنا في الأرض فأنبتت سبع سنابل حبٍّ ووفاء، ونحن الذين صمدنا في الجنوب متمسّكين بحبّات التراب حين هرب الكثيرون ممّن يتسيّدون منابر الشعر إلى بيروت وإلى الخارج ينشدون الأمن والأمان. فإنْ كنتُ أنا غيرَ وطنيّ فماذا سنسمّيهم إذاً؟
أمّا بشأن كلامي السابق فهو واضح أنا أتحدّث عن جانبٍ مُعيّن وهم يعرفون ذلك جيّداً.
- في نفس السيّاق أستاذ وهيب. لماذا لا نراك في المهرجانات الكبرى في لبنان في الآونة الأخيرة؟
أقولها بصراحة، ليست المهرجانات هدفاً لي بحدّ ذاته، والأمر لا يعنيني من ناحية تسوّل اعتلاء منابرها كما يفعل البعض، وهذا لا يعني أنّني أرفض الدعوة إن دعيت، ولكنّ الواقع أنّ هذه المهرجانات تحوّلت كحال السياسة عندنا إلى تقاسم حصص ومغانم، والذي يتزلف أو يكون قريباً من المنظّم والقيّم على المهرجان ستكون له الحظوة في المشاركة وسينال نصيبه منها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى هناك نظرة إلى شعراء الأطراف، حيث أنّني أسكن الجنوب، وكأنّنا لسنا على الخريطة، حيث أنّ للعاصمة وسكّانها من الشعراء النصيبَ الأوفر في اعتلاء تلك المنابر واحتكارها. والكلام يتشعّب ويطول.
- وكأنّنا نجدُك ناقماً بقوّة على القيّمين على النشاط الثقافي في لبنان، ولكنّنا نعرف أنّك عضوًٌ في اتحاد الكتّاب اللبنانيين فلماذا لا تدلي بدلوك هناك؟ ولماذا لا تطلق صرختك مدوّيةً في آفاق صروحه؟!
تسألني عن عضوية اتحاد الكتّاب؟ نعم أنا عضو فيه منذ أكثر من عشرين سنة، ولكن كما أشرت سابقاً أنا لم أشعر بأيّ اهتمام بنا نحن شعراء الأطراف ومثقفيه، ولن أطيل الشرح لأنّني أوضحت ذلك منذ قليل ولكنّ حال المؤسسات الثقافية والتي تعنى بالأدب والشعر ليس بأفضل منه من حال السياسة، فكما أنّ للسياسة زواريبها ودهاليزها، في الثقافة نجد هذا حتماً.
- دعنا ننتقل إلى منحى آخر، دعنا نخرج إلى الدائرة الأوسع والأرحب، إلى العالم العربيّ. أنت شاركت في العديد من اللقاءات والمهرجانات الشعريّة فيها فما الذي تخبرنا به عن تلك المشاركات؟
لقد وجدت دون شكّ اهتماماً أفضل وألبق في وطني العربيّ منه في وطني لبنان، وكما هو معروف فلقد شاركت في العديد من المهرجانات في سوريا: في طرطوس، وبانياس، وإدلب وغيرها ولقيت هناك حفاوةً أعجز عن وصفها وعن شكرها. كما أنّني شاركت في تونس البلد الحبيب، وكان من المفروض أن أشارك في الدوحة في قطر في مهرجان شعريّ بناء لدعوة تلقيتها من المنظمين لكنّ أحداث غزّة الدامية والاعتداء الصهيوني الغاشم على أهلنا في فلسطين حالَ دون إقامة المهرجان وبالتالي دون المشاركة. وفي الخلاصة فإنّ العديد من العواصم والبلدان العربية دعتنا أو استضافتنا وكان لي الشرف في ذلك، وكلّ الشكر بالمناسبة للجمهور العربيّ الحبيب الذوّاق الذي يستطيع أن يلتقط إشارات الشعر وذبذباته ويحوّلها إلى موجات محبّة عابقة. وأنا لا أخفي عليكَ موقفاً اتخذته منذ زمناً، حيث أنّني أرفض أن أعتلي منبراً في بلدٍ طبّع علاقاته مع العدوّ الصهيوني. لأنّ موقفنا واضحٌ من الأمر ولا نساوم عليه قيد أنملة.
- أشرت للجمهور العربي. فهل وجدته مختلفاً عن الجمهور اللبناني في التجاوب والتعاطي معك كشاعر؟
جمهور الشعر الأصيل هو نفسه في كلّ مكان وقطرٍ ومِصر، لكن الفارق هو أنّ الجمهور العربيّ يشعرك بدفء محبّته وبحرارة عاطفته، فهو يتفاعل معك بعفويّة صادقة لأنّه أصلاً لا يعرفك، وما يربطك به ويشدّك إليه هو الشعر. وبالتالي لو ترك للجمهور أن يختار شعراءه ورواد منابره لما اعتلّ الشعر، وما كان لانفلونزا التغرّب الشعريّ أن تتغلغلَ إلى نصوصه وقصائده، وإلى بعض شعرائه. مع كامل احترامي ومودّتي للشعراء الأصيلين الذين لم ينساقوا خلف تيارات الوهم والخديعة وظلّوا في مكامنهم متأبّطين سلاح الكلمة لا يغريهم مالٌ ولا جاه ولا نوبل ولا غيرها. فألف تحيّة وشكرٍ من أعماق قلبي لهؤلاء الشعراء ولجمهور الشعر أين كانوا وحيث حلّوا.