كاتبة سعودية: الكتاب العرب منهمكون في تشخيص الداء

قضيتي الأولى هي الإنسانية


نوف بنت محمد: قد نكتب لأننا نشعر باحتراق لشيء ما لا ندركه، وقد نكتب لأن لدى كل إنسان هما يؤرقه.


حاورها: عبدالرحمن سلامة

الشاعرة الرقيقة والقاصة المبدعة نوف بنت محمد النجدية، صاحبة كلمة شعرية دافئة، وسرد راق، وأدب رفيع، فرضت على الجميع احترامها من خلال إصداراتها الشعرية والقصصية، وأيضاً من خلال حواراتها الصحفية المميزة مع عدد من الأدباء والكتاب السعوديين. حققت شعبية كبيرة من إدارتها لموقع "شعبيات" الإلكتروني والذي يدور في فلكه كثير من المبدعين. حلقت في الفضاء عندما أصدرت مجموعة شعرية "ورق الفضاء" والتي ضمت عدداً من شعراء موقع "شعبيات" واستهلت نصوصها بإضاءات نقدية انطباعية، كما أروت بظمأها الشعري المتعطشين للشعر الرقيق من خلال ديوانها "ظما" المحكي والذي وجد حضوراً لافتاً في الخليج العربي.

ولأنها أنثى قالت بحكي جميل وأقنعت نقاد السرد عندما دفعت بمجموعتها القصصية "لأنها أنثى" والتي صدرت عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت، كما كانت هذه المجموعة القصصية من أكثر الإصدارات مبيعاً في معرض الرياض للكتاب هذا العام.

لقد كثر متتبعو الأديبة نوف بنت محمد عندما لمع نجمها في بعض الفضائيات. اهتمت نوف بنت محمد بالعمل الإبداعي واستهواها العمل الصحفي فقامت بإجراء عدد من الحوارات الصحفية غاية في الأهمية والإبداع، فجميل أن يحاور مبدع مبدعين، كما أنها استحقت الثناء من قبل بعض النقاد حول إصداراتها فقالوا عنها: حين تكتب نوف بنت محمد، وهي الشاعرة المثقفة الجادة والواعية، شعرًا محكيّا تبدو وكأنها تصفف خصلات الصباح شعرًا، وتردّ السلام على عصافيره شعرًا، وتصافح حتى الظلال قصائد وشجون شتّى، وهي بهذا تكتب القصيدة حياة، وتتعاطاها قصيدةً ملؤها الظمأ المبتلّ بالوعي، وسيرتها شجن الكلام، وخاتمتها الضوء.

"ظمأ" مجموعة شعرية لا نقدّمها إعلانا، حينما ننادي بها منهجًا شعريًّا كلما خرجنا لحياتنا وشؤوننا اليومية شعراء كما حلمنا أول مرة، وليس هناك أجمل من ولادة شمس أخرى في سماء الشعر، ولا أروع من أن تتفتح وردة ندية في أرضه، هذا ما تعلنه نوف بنت محمد من خلال باكورة إصداراتها الشعرية "ظما" الذي تميز بالتكنيك الشعري على مستوى بناء الصورة وتوظيف المفردة والبناء الخارجي للقصيدة.

"ظما" نوف بنت محمد لا يشبه أي ظمأ آخر، فهو ظمأ يروي الذائقة الشعرية وحسبه هذا جمالا، عندما تكتب النجديه تكتب للشعر فقط بدون أي تصنيف. شفافيتها وروح الأنثى وشعورها الصادق يجعلها شاعره متجاوزة, وهو ما يميز نصوصها ويجعلها تتجاوز في كل نص جديد كل نص قبله، فهي شاعرة تكتب بمهارة واضحة ولغة متفرّدة وبإحساس شفّاف أنثوي مدهش، وفي حال استمرارها في كتابة الشعر سوف نكسب جميعا شاعرة سعودية رائعة نفخر بها وحتما ستكون إضافة للخارطة الشعرية.

لقد أجريت هذا الحوار مع الشاعرة والقاصة نوف بنت محمد النجدية من مدينة الرياض.

*بداية نرحب بالشاعرة والقاصة نوف بنت محمد النجدية.

أنا جد سعيدة أن أصافح القارئ، فلكم مني في بداية هذا الحوار كل الود والمحبة.

* لماذا تكتب نوف بنت محمد؟

- قد نكتب لأننا نشعر باحتراق لشيء ما .. لا ندركه. وقد نكتب لأن لدى كل إنسان هما مؤرقا, يختزن داخله شحنة متفجّرة موقوتة, يفرغ هذه الطاقة من خلال كتابة مشاعر أو أفكار مختلفة, ولكل كاتب أسلوب خاص بالتعبير, نلهث لنرضي ذواتنا, وربما للتنفيس حتى نرتشف بعد هذا العناء ولو جزءا يسيراً من الراحة والسكينة.

*نوف بنت محمد .. شاعرة وقاصة، أم قاصة وشاعرة؟

- من بين قطرات الظما شاعرة ترتجي مطر القادم حلما، وقاصة مكتظة بهموم الأنثى.

* برأيك هل الأدباء والكتاب العرب حققوا نجاحات تذكر حيال القضايا العربية؟

- الأدباء والكتاب العرب من خمسين عاما وهم منهمكين في تشخيص الداء ولم تحن بعد مرحلة البحث عن الدواء!

* ما طموح الأديبة نوف بنت محمد؟

- طموحي هو مساحة صغيرة جميلة تحتل ذاكرة كل قارئ يقرأ لنوف بنت محمد.

* لمن تقرأين؟

- القائمة طويلة جداً, ولكني أصدقك القول حالياً حين أجد الوقت التهم كل ما يقع في يدي, صحيفة, مجلة, كتاب.

*أجريت العديد من اللقاءات الصحفية. ماذا تمثل لك هذه المحطات؟

- مشاركة بعض الشعراء وأكثر المؤثرين في الشعر والفاعلين فيه بإنتاجه وإدراكه له أولا, وبوعيه وثقافته كالشاعر الأمير مهندس الكلمة بدر بن عبدالمحسن, والشاعر والكاتب والروائي المبدع إبراهيم الوافي, والشاعر والصحفي مسفر الدوسري أحد روّاد قصيدة التفعيلة, والشاعر صالح الشادي .., هو أمر هام وفاعل في ذاكرة فضاء الإنترنت الشاسع, أشبه بهجرة اختيارية نتعرف من خلالها على مسيرة تاريخهم والبحث والتنقيب والكشف عن مكامن الإبداع. فالشعور والتحليق مع أفق وصدق التجربة وقوة العاطفة ومزج الرؤية بالرؤيا، والطرح المثقف، وثقافة الطرح، ومع حوار الواعي، ووعي الحوار, تهبنا مجلدات ضخمة من الرؤى والآراء, كما أن المداخلات الواعية والهادفة تثري اللقاء وتهدينا كثيرا من كنوز الفكر والتجارب ودرر الكلام وباقات ممزوجة بالضوء - بحق - لي أن أتباهى بها.

اللقاءات تكريم لهؤلاء المبدعين, ورصيد ذو قيمة يضاف لتاريخي الأدبي, يستحق العناء من أجله, لي حق الزهو بكل من حاورتهم, ولهم عليّ حق الشكر والامتنان.

*ما قضيتك الأولى؟

- قضيتي الأولى هي الإنسانية.

* ما طبيعة القصيدة التي لم تطرقي بابها؟

- تقريبا طرقت كل شيء منها ما نُشر في ديوان "ظما"، ومنها ما هو محفوظ في قصاصاتي الخاصة, ومنها لم يكتمل بعد.

• الطفل العربي، في رأيك هل قصّر الأدباء والكتاب في حقه؟

- لا أعتقد. كثير من الكتّاب والكاتبات يكرّسون جهودهم لثقافة الطفل ومسرح له بشكل خاص, وما الجناح الخاص للطفل في معرض الكتاب الدولي عربيا وخليجيا الذي يقام سنويا, إلاّ رداً على هذا السؤال. التقصير إن وجِد يكون من بعض الآباء والأمهات في التشجيع وحث أطفالهم ومشاركتهم في اقتناء الكتب أو القصص التربوية للقراءة بمختلف اهتماماتها وتوجهاتها, فالهوية الفكرية التي يكتسبها أي شخص تبدأ من الطفولة, بالتأثر والتأثير, كما أن هيمنة الإعلام المرئي والألعاب الإكترونية على ثقافة الطفل منذ صغره بلا نظام وبدون رقيب, له دور كبير في صرف ميوله عمّا هو مفيد.

لا ننكر أن عشرة أيام ـ العمر الزمني لمعرض الكتاب سنوياً في أي بلد عربي أو خليجي ـ تكون احتفالية للكتاب والكُتّاب معاً بمختلف توجهاتهم, لذا نحتاج مشاطرة الأبناء هذا الاحتفال والاهتمام. لا شك أن النتيجة غالباً ما تكون غربلة واختلاف - في المفاهيم لدى الكثيرين, بدون توجيه مباشر لهم، لأنهم سيجدون القدوة التي يحتاجونها لتغيير نمط وسلوك حياة بشكل إيجابي بالتأكيد.

* ما الروافد التي أسهمت في تكوين قصائدك؟

- يمكن أن تكون هموم ترافق الذاكرة, أو تفاصيل لشهقة روح حين يبلغ الاحتياج العظم، فتتجاوز حدود العبرة لتترجم شعرا. وفي كل الحالات برأيي الخاص الحزن دائماَ محرض حقيقي للكتابة.

* متى يحس الشاعر أن كلماته تذهب مع الريح دون أن تترك في النفس أثراً؟

- الافتعال في الإحساس، وفي الكلمة أسوأ دخيل على قصيدة أي شاعر, فمتذوّقو الشعر الحقيقي قادرون على فرز هؤلاء الشعراء بسهولة.

يقول أحد الشعراء:

إذا الشعر لم يهززك عند سماعه ** فليس جديراً بأن يقال له شعر

ويقول الجاحظ: "يصنع الشعر البليغ في القلوب صنع الغيث في التربة الكريمة". وهنالك شاعره أميركية عندما سئلت عن ماهية الشعر قالت: "عندما تقرأ نصاً فتصيبك تلك الرعشة، فأعرف أنك تقرأ شعراً".

وأنا أتفق مع كل هذه المقولات تماما.

* في رأيك ما الذي ينقص المرأة العربية المبدعة حتى تنافس بقوة الرجل؟

- لا ننكر أن عدد الرجال الأدباء والشعراء يفوق النساء الأديبات والشاعرات عددا, لكن هنا لا سبيل أن نصنف الإبداع حسب جنس المبدع, النص هو الفاصل بينهما، وما يحمله من أدوات وقيمة فنية وإبداع حقيقي.

* كيف ترين القصيدة؟ وماذا تعني لك القصة القصيرة؟

- العطش يكتب الشعر. أرى القصيدة أشبه بالتأهب لرحلة بحثاً عن الارتواء. والكبت أو الألم أو النقد لظاهرة معيّنة يولّد قصة، أحاول أن أرتكب من خلالها فعلا مغايرا, مؤثرا, للمباغتة أو المواجهة لموقف ما نحتاج محاصرته, ونترك منطقية الحوار عنها ومنهجية الحل، أو كحد أدنى فتح نوافذ للتأمل للقارىء الذي يلامسها بعقله أو قلبه.

* تكتبين القصة بشاعرية فما هو سر ذلك؟

- أسعدني جدا إن وجدتها كذلك. اللغة الشاعرية تمتلك قوة تأثير كبيرة برأيي, لشدة الاختزال واتساع المعنى وضيق العبارة فهي القادرة على النفاذ إلى وجدان القارئ دون الدخول في تفاصيل سردية قد تكون مملة بعض الأحيان, أو قد لا يهتم بها القارئ, ولعل الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي هي الرائدة لتلك اللغة الشاعرية, وبصورة رائعة ومؤثرة في كل منجزاتها الروائية الشهيرة.

* ما جديد نوف بنت محمد؟

- صدقاً لا أعرف. فالعمل الإبداعي لا يستدعي وجود خريطة أو جدولة محددة نتبعها, ربما تكون استراحة محارب. أنشد قليلا من الهدوء والسكينة في الوقت الراهن, فقد مضت ثلاث سنوات أنجزت خلالها ثلاث إصدارات أولها "ورق الفضاء", وإصدار خاص ديوان "ظما" الشعري, وإصدار خاص أيضا مجموعة قصصية "لأنها أنثى".

* وماذا عن موقع "شعبيات"؟

- "شعبيات" أحد المواقع المهتمة بالشعر على الشبكة العنكبوتية, وهي واحة شعر عامرة بنخبة من الشعراء والشاعرات، ومختصة بالاهتمام بكافة الأجناس الأدبية التي يعبّر عنها المبدع وعلى رأسها الشعر العامي (المحكي). ولعل التوثيق والمنجز لـ "شعبيات" ورق الفضاء الذي يضم مجموعة ضخمة من الشعراء المبدعين والذين قدمّناهم عبر أصواتهم الشعرية من موقع "شعبيات" سيظل تاريخاً شاهداً على الإخلاص للشعر من أجل الشعر، ومرجعا توثيقيا لأغلب الشعراء النجوم والمتذوقين للشعر. وسيصبح نفحة عَطِرة بإذن الله ترتبط بذاكرة الزمن الجميل الذي جمعنا تحت رايته يوماً ما.

أنشأ هذا الموقع ويدير تحريره الكاتب الأديب مجدى شلبى