الشاعر محمد محمد الشهاوى: القاهرة لا تهمنى.. والنقاد لم يظلمونى
حوار ماهر حسن ومصطفى كمال الدين ١٠/ ٦/ ٢٠١٠
فى العام ١٩٨٩ نشرت مجلة إبداع قصيدة «المرأة الاستثناء» لشيخ الشعراء محمد محمد الشهاوى، ومن يومها صارت واحدة من روائع القصائد المصرية فى القرن العشرين. وعلى الرغم من حضوره الطاغى فنيا، آثر الشاعر الكبير أن يبقى فى قريته الصغيرة «عين الحياة» بكفر الشيخ، ولم يستجب لإغواء الأضواء القاهرية وظل قابضا على هويته القروية.. يكتب وينشط الفعل الثقافى فى مجتمعه الريفى البسيط، ومن هناك أصدر ديوانيه «ثورة الشعر» و«قلت للشعر» دون ضجة، حتى أصدر ديوانه الثالث «مسافر فى الطوفان»، الذى أحدث نقلة نوعية فى حياته الشعرية، وجمع فيه مجموعة من أنضج قصائده، فالتفتت إليه أقلام النقاد بعد ٢٠ عاما من التهميش والتقاعس والإشاحة بوجوههم عن الزاهد فى الأضواء.
الشيخ الذى بلغ السبعين سنة، غير نادم على رفضه الهجرة نحو الضوء فى القاهرة التى كان يأتيها فقط مشاركاً فى بعض الفعاليات الكبرى، وسرعان ما يقفل عائدا منها وهارباً من زحامها وصخبها وصراعاتها وصفقاتها.. وعن المرأة الاستثناء وأدب الأقاليم وحياته فى الشعر كان لنا معه هذا الحوار:
■ أنت أزهرى فإلى أى حد أسهمت الدراسات الأزهرية فى بنية ومضمون والحس البلاغى فى قصيدتك؟
- فى رأيى أن أى مبدع هو محصلة لأشياء كثيرة وأهم المحطات فى هذه المحصلة بالنسبة لى حفظى للقرآن الكريم والتحاقى بالأزهر الشريف، وكان القدر فى صالحى عندما أقمت وأنا طالب بالمرحلة الابتدائية الأزهرية القديمة مع أحد الطلاب بالمرحلة الثانوية، وهو الشاعر المعروف عبدالفتاح إبراهيم شتا، وحديثه عن الشعر والشعراء فتح عينىّ فبدأت أحاول الوصول إلى بعض دواوين الشعر، وكان ملما بالشعر خارج دراسته الأزهرية، نتيجة قراءاته المتنوعة التى لم تكن تقف عند الشعر القديم فقط وإنما الحديث أيضا، فتعرفت منه على كثير من الأسماء وبدأت مرحلة القراءة حتى كان عام ١٩٥٦ أثناء العدوان الثلاثى على مصر، إذ توقفت الدراسة إلى أجل غير مسمى، ومع استماعى إلى الأغانى العسكرية والأناشيد الحماسية وجدتنى مندفعا إلى الورقة والقلم لأكتب. وانتهت الحرب فعدنا إلى الدراسة وعرضت عليه ما كتبت فبشرنى بأن هذا شعر مكتمل الأدوات وزنا ولحنا.
■ من هى ملهمتك فى قصيدتك المرأة الاستثناء؟
- كما أقول دائما القصيدة بها الإجابة هى: امرأة ليس لى أن أسميها، لطلعتها القلب يرقص حينا وحينا يغنى، هى من لا يشابهها غيرها، إن أردت المثيلا، هى امرأة مستحيلة.
■ أوقفت حياتك على الشعر فهل أعطاك مثلما أعطيته؟
- لم يكن الشعر بالنسبة لى وسيلة إنما غاية الغايات «أنا أكتب الشعر إذن أنا موجود».. أعطيت الشعر كل عمرى وهو يستحق من أى شاعر عمره وأعمارا أخرى تفوق ذلك العمر، الشعر أعطانى الرضا والفرح والقدرة على التبصر والحلم والأخذ بالأسباب، وأحاول أن أكتب ولو قصيدة واحدة تقرأ من بعدى.
■ لعبت تجربة مجلة «سنابل»، التى أسسها عفيفى مطر فى كفر الشيخ دورا بالغ الأهمية، إذ قدمت للمشهد الشعرى المصرى عددا من الوجوه المهمة.. حدثنا عن هذه التجربة؟
- «سنابل» هى أهم مجلة إقليمية ظهرت فى تاريخ مصر كلها، لأنها كانت تنتمى إلى الحلم وإلى كل ما هو جديد ومتفوق، وقدمت إلى قرائها أسماء جديدة من دونها لم يكن للقراء أن يعرفوا عنها شيئاً، وعفيفى مطر هو أحد الشعراء الكبار جداً فى ديوان الشعر العربى، وحاول ونحن معه أن يكون لـ «سنابل» محصولها الخاص وأن يكون لها عطاؤها غير المسبوق بمد خيوط الحلم والفرح بين كل شعراء مصر.
■ ما تقييمك للأداء الثقافى فى كفر الشيخ ومديرية الثقافة؟
- نجهز حاليا للمؤتمر الإقليمى بإقليم شرق الدلتا، الذى سيقام خلال الفترة من ١٦ إلى ١٩ من يونيو الجارى، ومن خلال الأبحاث التى راجعتها أرى أن مجهودات حقيقية تبذل لكى يظل لكفر الشيخ وجهها الذى عرف عنها إبداعياً فى شتى المجالات، شعراً ونثراً ومسرحاً وفناً تشكيلياً.
■ هل تشعر بأن الأقاليم مظلومة وأن القاهرة مازالت تحظى بكل الأضواء؟
- طوال عمرى أتصور أن المبدع الحقيقى سوف يأتيه حقه إذا استحقه، وقد تحظى المدينة بمساحات أكبر، من حيث الانتشار. لكن تبقى ميزة للمبدع المقيم خارج العاصمة، التى تأكل كل وقت الإنسان بأضوائها وكثرة الأماكن التى يمكن ارتيادها، لذا لا يبقى للمبدع هامش يجدد فيه أداءه، أو يبحث فيه عن صوته، لكن فى الأقاليم لديك الفرصة بشرط أن تكون موهوباً ومخلصاً تجيد وتجود إبداعك. وفى هذه الحالة لا تنشغل إلا بما هو جوهرى، وما الذى يبقى من المبدع سوى كلمة، قصيدة، قصة، رواية، أو عمل تشكيلى. أما عملية الانتشار المتوفرة فى العاصمة وليس متوفرة فى الأقاليم فأعتقد أنها ربما تكون لصالح المبدع، الذى يتصور خاطئاً أنه ظلم بالإقامة فى إقليمه.
■ لذلك اخترت الإقامة فى كفر الشيخ ولم تفكر فى الهجرة إلى القاهرة مثل الآخرين؟
- أقمت فى كفر الشيخ طوال عمرى منذ ولادتى حتى اليوم بعد أن تجاوزت السبعين. ولست مقيماً فى كفر الشيخ العاصمة وإنما فى عزبة صغيرة جدا اسمها عين الحياة. وأرغمت على هذه الإقامة لإننى كنت لفترة طويلة الابن الوحيد لوالدى فقد اختطف الموت ٧ من الإخوة، فكانا شديدى التعلق بى، وكنت من خلال عقلى الباطن أعيش نفس الأحاسيس تجاههما. فلما انتقل والدى إلى رحمة الله وجدتُنى أصبحت فى مرحلة من العمر لا تسمح لى بأن أفكر فى التغيير، الحمد لله فهو الذى سوى واختار، ولا يهمنى من الدنيا كلها سوى دعائى ليلاً ونهاراً بأن يوفقنى إلى كتابة ولو قصيدة واحدة تقرأ من بعدى.
■ هل تشعر بأنك ظلمت نقديا؟ وبأن قصيدتك لم تلق ما تستحق من اهتمام؟
- الظلم ليس واردا لدىّ، إنما الآخرون يقولون إننى ظلمت ولا أشعر بالظلم إطلاقاً. لأن الذى يهمنى هو تواصلى مع القصيدة، ولا أكتب لكى يشيد النقاد بإبداعاتى، ولن أكتب لأحصد الجوائز أو إرضاء لأحد، إنما استجابة لهاتف داخلى يشدنى إلى الشعر باعتباره أجمل ما فى الحياة.
■ هل ترى أن النقاد احتفوا بتجربتك الشعرية؟
- الكثيرون كتبوا عنى، والمجلس الأعلى للثقافة بصدد إعداد كتاب تذكارى سيوزع فى الاحتفال بالسبعينية التى تقيمها لى لجنة الشعر به، وجعلنى هذا أعود إلى بعض ما كتب عنى لأقدمه إليهم، وإذ بى أجد كماً كثيراً جداً من الكتابات الجميلة والواعية والتى استطاعت فعلاً أن تخوض داخل تجربتى بشكل حقيقى. وهناك ٣ رسائل ماجستير كتبت عنى إحداها صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة فى طبعة ضخمة وفخمة، كل هذا يحدث وأنا مقيم هناك فأين هو الظلم؟
حوار ماهر حسن ومصطفى كمال الدين ١٠/ ٦/ ٢٠١٠
فى العام ١٩٨٩ نشرت مجلة إبداع قصيدة «المرأة الاستثناء» لشيخ الشعراء محمد محمد الشهاوى، ومن يومها صارت واحدة من روائع القصائد المصرية فى القرن العشرين. وعلى الرغم من حضوره الطاغى فنيا، آثر الشاعر الكبير أن يبقى فى قريته الصغيرة «عين الحياة» بكفر الشيخ، ولم يستجب لإغواء الأضواء القاهرية وظل قابضا على هويته القروية.. يكتب وينشط الفعل الثقافى فى مجتمعه الريفى البسيط، ومن هناك أصدر ديوانيه «ثورة الشعر» و«قلت للشعر» دون ضجة، حتى أصدر ديوانه الثالث «مسافر فى الطوفان»، الذى أحدث نقلة نوعية فى حياته الشعرية، وجمع فيه مجموعة من أنضج قصائده، فالتفتت إليه أقلام النقاد بعد ٢٠ عاما من التهميش والتقاعس والإشاحة بوجوههم عن الزاهد فى الأضواء.
الشيخ الذى بلغ السبعين سنة، غير نادم على رفضه الهجرة نحو الضوء فى القاهرة التى كان يأتيها فقط مشاركاً فى بعض الفعاليات الكبرى، وسرعان ما يقفل عائدا منها وهارباً من زحامها وصخبها وصراعاتها وصفقاتها.. وعن المرأة الاستثناء وأدب الأقاليم وحياته فى الشعر كان لنا معه هذا الحوار:
■ أنت أزهرى فإلى أى حد أسهمت الدراسات الأزهرية فى بنية ومضمون والحس البلاغى فى قصيدتك؟
- فى رأيى أن أى مبدع هو محصلة لأشياء كثيرة وأهم المحطات فى هذه المحصلة بالنسبة لى حفظى للقرآن الكريم والتحاقى بالأزهر الشريف، وكان القدر فى صالحى عندما أقمت وأنا طالب بالمرحلة الابتدائية الأزهرية القديمة مع أحد الطلاب بالمرحلة الثانوية، وهو الشاعر المعروف عبدالفتاح إبراهيم شتا، وحديثه عن الشعر والشعراء فتح عينىّ فبدأت أحاول الوصول إلى بعض دواوين الشعر، وكان ملما بالشعر خارج دراسته الأزهرية، نتيجة قراءاته المتنوعة التى لم تكن تقف عند الشعر القديم فقط وإنما الحديث أيضا، فتعرفت منه على كثير من الأسماء وبدأت مرحلة القراءة حتى كان عام ١٩٥٦ أثناء العدوان الثلاثى على مصر، إذ توقفت الدراسة إلى أجل غير مسمى، ومع استماعى إلى الأغانى العسكرية والأناشيد الحماسية وجدتنى مندفعا إلى الورقة والقلم لأكتب. وانتهت الحرب فعدنا إلى الدراسة وعرضت عليه ما كتبت فبشرنى بأن هذا شعر مكتمل الأدوات وزنا ولحنا.
■ من هى ملهمتك فى قصيدتك المرأة الاستثناء؟
- كما أقول دائما القصيدة بها الإجابة هى: امرأة ليس لى أن أسميها، لطلعتها القلب يرقص حينا وحينا يغنى، هى من لا يشابهها غيرها، إن أردت المثيلا، هى امرأة مستحيلة.
■ أوقفت حياتك على الشعر فهل أعطاك مثلما أعطيته؟
- لم يكن الشعر بالنسبة لى وسيلة إنما غاية الغايات «أنا أكتب الشعر إذن أنا موجود».. أعطيت الشعر كل عمرى وهو يستحق من أى شاعر عمره وأعمارا أخرى تفوق ذلك العمر، الشعر أعطانى الرضا والفرح والقدرة على التبصر والحلم والأخذ بالأسباب، وأحاول أن أكتب ولو قصيدة واحدة تقرأ من بعدى.
■ لعبت تجربة مجلة «سنابل»، التى أسسها عفيفى مطر فى كفر الشيخ دورا بالغ الأهمية، إذ قدمت للمشهد الشعرى المصرى عددا من الوجوه المهمة.. حدثنا عن هذه التجربة؟
- «سنابل» هى أهم مجلة إقليمية ظهرت فى تاريخ مصر كلها، لأنها كانت تنتمى إلى الحلم وإلى كل ما هو جديد ومتفوق، وقدمت إلى قرائها أسماء جديدة من دونها لم يكن للقراء أن يعرفوا عنها شيئاً، وعفيفى مطر هو أحد الشعراء الكبار جداً فى ديوان الشعر العربى، وحاول ونحن معه أن يكون لـ «سنابل» محصولها الخاص وأن يكون لها عطاؤها غير المسبوق بمد خيوط الحلم والفرح بين كل شعراء مصر.
■ ما تقييمك للأداء الثقافى فى كفر الشيخ ومديرية الثقافة؟
- نجهز حاليا للمؤتمر الإقليمى بإقليم شرق الدلتا، الذى سيقام خلال الفترة من ١٦ إلى ١٩ من يونيو الجارى، ومن خلال الأبحاث التى راجعتها أرى أن مجهودات حقيقية تبذل لكى يظل لكفر الشيخ وجهها الذى عرف عنها إبداعياً فى شتى المجالات، شعراً ونثراً ومسرحاً وفناً تشكيلياً.
■ هل تشعر بأن الأقاليم مظلومة وأن القاهرة مازالت تحظى بكل الأضواء؟
- طوال عمرى أتصور أن المبدع الحقيقى سوف يأتيه حقه إذا استحقه، وقد تحظى المدينة بمساحات أكبر، من حيث الانتشار. لكن تبقى ميزة للمبدع المقيم خارج العاصمة، التى تأكل كل وقت الإنسان بأضوائها وكثرة الأماكن التى يمكن ارتيادها، لذا لا يبقى للمبدع هامش يجدد فيه أداءه، أو يبحث فيه عن صوته، لكن فى الأقاليم لديك الفرصة بشرط أن تكون موهوباً ومخلصاً تجيد وتجود إبداعك. وفى هذه الحالة لا تنشغل إلا بما هو جوهرى، وما الذى يبقى من المبدع سوى كلمة، قصيدة، قصة، رواية، أو عمل تشكيلى. أما عملية الانتشار المتوفرة فى العاصمة وليس متوفرة فى الأقاليم فأعتقد أنها ربما تكون لصالح المبدع، الذى يتصور خاطئاً أنه ظلم بالإقامة فى إقليمه.
■ لذلك اخترت الإقامة فى كفر الشيخ ولم تفكر فى الهجرة إلى القاهرة مثل الآخرين؟
- أقمت فى كفر الشيخ طوال عمرى منذ ولادتى حتى اليوم بعد أن تجاوزت السبعين. ولست مقيماً فى كفر الشيخ العاصمة وإنما فى عزبة صغيرة جدا اسمها عين الحياة. وأرغمت على هذه الإقامة لإننى كنت لفترة طويلة الابن الوحيد لوالدى فقد اختطف الموت ٧ من الإخوة، فكانا شديدى التعلق بى، وكنت من خلال عقلى الباطن أعيش نفس الأحاسيس تجاههما. فلما انتقل والدى إلى رحمة الله وجدتُنى أصبحت فى مرحلة من العمر لا تسمح لى بأن أفكر فى التغيير، الحمد لله فهو الذى سوى واختار، ولا يهمنى من الدنيا كلها سوى دعائى ليلاً ونهاراً بأن يوفقنى إلى كتابة ولو قصيدة واحدة تقرأ من بعدى.
■ هل تشعر بأنك ظلمت نقديا؟ وبأن قصيدتك لم تلق ما تستحق من اهتمام؟
- الظلم ليس واردا لدىّ، إنما الآخرون يقولون إننى ظلمت ولا أشعر بالظلم إطلاقاً. لأن الذى يهمنى هو تواصلى مع القصيدة، ولا أكتب لكى يشيد النقاد بإبداعاتى، ولن أكتب لأحصد الجوائز أو إرضاء لأحد، إنما استجابة لهاتف داخلى يشدنى إلى الشعر باعتباره أجمل ما فى الحياة.
■ هل ترى أن النقاد احتفوا بتجربتك الشعرية؟
- الكثيرون كتبوا عنى، والمجلس الأعلى للثقافة بصدد إعداد كتاب تذكارى سيوزع فى الاحتفال بالسبعينية التى تقيمها لى لجنة الشعر به، وجعلنى هذا أعود إلى بعض ما كتب عنى لأقدمه إليهم، وإذ بى أجد كماً كثيراً جداً من الكتابات الجميلة والواعية والتى استطاعت فعلاً أن تخوض داخل تجربتى بشكل حقيقى. وهناك ٣ رسائل ماجستير كتبت عنى إحداها صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة فى طبعة ضخمة وفخمة، كل هذا يحدث وأنا مقيم هناك فأين هو الظلم؟